الرأي و الرأي الآخر

بسم الله الرحمن الرحيم كثيرا ما نسمع وما يتردد القول بضرورة الاستماع إلى آراء الآخرين و تفهم مقاصدهم, و احترام أصحابها وقبولهم على أنهم أصحاب رأي. و كأني بلسان حال الواحد منهم يقول, استمع إلى رأي الآخر و تحاور معه, و لك أن ترد عليه أو تسكت عنه, ولكن عليك الاعتراف بوجوده و بحقه بالحديث بما يرى ..., ذلك أن ما يكون من نقاش و ما يتعدد من آراء, يثري النقاش و يعين على الوصول إلى الرأي الصواب, أو إلى مشترك يرضاه أصحاب الرأي.

و مما يردد حول هذا الموضوع كثير منه:-

لي رأي ولك رأي, و هذا رائي وهذا ما أرى, وحرية الرأي, والتسامح وقبول الآخر, وضرورة أن يتقبل أصحاب الرأي بعضهم البعض,....الخ. و ان من لا يقبل هذا و لا يعمل به فهو رجعي ضعيف الحجة, يريد فرض رأيه على غيرة ,لا ثقة عنده بما يحمل.

و الحقيقة أن لما سبق الكثير من التفصيل, ذلك أن الناس قد جبلوا على الخوض فيما بينهم, بعلم و بغير علم يتحدث كل و احد منهم بما يرى و بما يظن انه الصواب, فيتحدث و يناقش و يدلي بدلوه في معظم ما يعرض عليه, اذ هكذا اعتاد الناس و هذا ما شبوا عليه, و يسبق هذا عند الأفراد ما سمعوه أو ما قرأوه أو عقلوه ليتشكل على إثره رائيهم من كل ما يعرض عليهم .ذلك أن واقع الرأي انه حكم الإنسان على الأشياء او الأفعال او الأفكار, يدل على وجهه نظر صاحبه واعتقاده في موضوع معين أو في مسالة تعرض عليه.

إلا أن دعوات التسامح والرأي الآخر, لم يكن المراد منها واقع الرأي او تحري الرأي الصواب في موضوع معين, ولا ما يكون بين أصحاب المبدأ الواحد أو الفكر الواحد أو المادة الواحدة, كالذي يدور بين المحامين مثلا حول مادة قانونية أو كالذي يدور بين المجتهدين من المسلمين حول مسالة شرعية.

بل المراد منها ما هو بين المسلمين و ما يحملون من أفكار إسلامية و بين غيرهم ممن لا يحملون الإسلام أو يدينون به, و مثال ذلك ما يراد له أن يكون موضع بحث و نقاش كالزواج المبكر و حجاب المرأة المسلمة وحرية الرأي وحقوق الطفل والسلام و الحكم بالإسلام...و الكثير الكثير من المواضيع المتعلقة بالشريعة الإسلامية أو التي اشتهر رأي الإسلام فيها, ذلك أن صاحب فكرة الرأي و الرأي الآخر وهو الغرب الكافر يريد للمسلم ان يتقبل الكفر و ان يحترمه باعتباره الرأي الآخر فيقضي بهذا (أي الكافر) على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و على وجوب نشر الإسلام بالطريقة الشرعية.

إن الغرب اليوم وهو يصارع الأمة الإسلامية بشتى الوسائل من اجل إبقائها تحت سيطرته, يدرك أن عليه الترويج لأرائه و أفكاره وان يوجد من أبناء المسلمين من يحمل هذه الأفكار ويقدمها على أنها الرأي الآخر, ليتغلغل من خلالهم لمعتقدات و آراء المسلمين يفسد ذوقهم ويثير الشك و الريبة في صفوفهم, فيتسنى بذلك للعملاء و المنافقين مهاجمه الإسلام و الطعن فيه و التشكيك في صلاحيته بدعوى التسامح وجرية الراي. ولا ادل على ذلك ما نشاهد و نسمع عبر شاشات التلفاز من لقاءات و حوارات تكرس لفكره الرأي و الرأي الآخر, وما سطر في المناهج المدرسية لأبناء المسلمين حول فكرة التسامح و قبول الاخر و التي جاء فيها على سبيل المثال تعريف التسامح فقالوا:- هو تقبل الفرد لاراء الآخرين و احترام عقائدهم و أفكارهم وعاداتهم و تقاليدهم و ان كانت لا تنسجم مع أفكاره. و هذه دعوة صريحة لقبول الآخر و ما يرى ايا كان و احترامه و اكباره و السكوت عنه بدعوى الرأي الآخر, فتقبل رأي من يرى في الربا مصلحة له, ورأي من يرى التنازل عن فلسطين أمرا واقعا, ورأي من يعبد البقر. فان ضاق بالمسلمين ما يصنع الكافر من تشويه و تضليل و بدؤا يسعون وراء التغير فانه سيشكل عليهم حينها الاهتداء إلى الصواب أو إلى ما قررته عقيدتهم. والمسلمون على هذا الصعيد صنفان:

الاول:- يرفض الأخذ برأي الكافر ولكن يرضى بوجوده و يسكت عنه باعتباره الرأي الآخر

و الثاني:- يريد حمل الاسلام للعالم, فيفند آراء الكفر ويتصدى لها باعتبارها آراء يراد منها نشر الرزيلة و التضليل على المسلمين, فهو بهذا منبوذ لا جدوى من مناقشته أو الاستماع لرأيه.

فالغرب وعملائه والمضبوعون بثقافته هم من أراد هذه الدعوة وهم من يقف ورائها, يدعمها ويغذيها, ويحارب معارضيها , يتهمهم تارة و يقتلهم تارة أخرى.

صحيح أن الإسلام أجاز للمسلم أن يتحدث بكل ما يرى و بكل ما يعتقد انه صواب بشرط أن يكون منضبطا بحدود ما قررته الشريعة الإسلامية, فله أن يناقش و له أن يقول هذا رائي, و هذا ما أرى و له أن يحشد لرأيه و يساجل به ما دام يلتزم أفكار الإسلام و ما دامت أحكام الإسلام أساس و منطلق ما يحمل من آراء, كما ولم يشكل على المسلمون ما بينهم من اختلاف في الرأي ما دام صاحب الرأي يقدم دليله و يتحرى الواقع و يطلب المشورة و يجتنب الهوى. والقواعد في هذا كثيرة منها

قوله صلى الله عليه وسلم:- لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به

و قوله:-ما ندم من استشار

كما وان إيمان المسلمين و دعوتهم غيرهم للإسلام لا تكون إلا بعد تفكير و تدبر و نقاش, ويلزم هذا الاستماع لرأي الآخرين في موضوع الإيمان.. بمعنى أن على المسلم في موضوع الإيمان بالله ان يسمع الآخرين رأيه و أن يستمع إلى رأي الآخرين, و أن عليه مثلا أن يناقش الاشتراكية و الرأسمالية و العلمانية و النصرانية…..الخ. و ان يرد و يفند بالحجة و البرهان على كل ما يقدمه الآخرون من آراء إن أراد أن يقنعهم برأيه, وهنا يكون الرأي و الرأي الآخر. اما ما بني على هذا من نظام و أحكام فلا نقاش ولا قبول لرأي الآخر فيه, ذلك أن المسلم هو من امن بالله الخالق المدبر و أن عليه أن يأخذ نظامه و أحكامه من عنده –أي من عند الله- و أن لا يقبل بنظام من عند غيره. فلا نقاش في الزكاة, ولا في الصلاة ولا في الزواج ولا في الحكم, , فالمسلم لا يقبل بسوها نظام حياة, فلا يقبل فيها تأويل أو تحريف أو تزيف. كما ولا يقبل أن يكون الرأي الآخر فيها قابل للنقاش بمعزل عن الأصل الذي هو الإيمان بالله. قال تعالى:

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ {8} ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ {9} الحج.صدق الله العظيم

هذا من جانب, أما كيف يكون الرأي و الموقف من معتقدات الكفر ورافعي ألويتها, فان للإسلام أيضا طريقته في هذا , إذ ليس من طريقته مجرد قبول الآخر و السكوت عنه أو الرضا به, فالقران حين يقدم آراء الكفر و أقوال الكفار يتبعها بما هو حق ناقضا إياها منكر عليها

قال تعالى:- وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ-البقرة135

وقال:- : وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ {10} قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ {11}السجدة

و قال في حق صناديد الكفر:-

وقال: ‏ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ {18} فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ {19} ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ {20} ثُمَّ نَظَرَ {21} ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ {22} ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ {23} فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ {24} إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ {25} سَأُصْلِيهِ سَقَرَ {26}.المدثر-الوليد بن المغيرة

: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ {10} هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ {11} مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ {12} عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ {13} ‏.القلم-الاخنس بن شريق صدق الله العظيم

إن ما يتعلق بالدعوي المغرضة و الأفكار الفاسدة والآراء ألمضله لا يكفي فيها معرفتها, بل الواجب التصدي لها و تفنيدها و فضح من يقف ورائها ,وهذا ما يجب ان يكون عليه كل مسلم إن هو أراد النجاة في الدارين

قال تعالى:- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159}.البقرة

و قال عليه الصلاة و السلام:- لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمر الله عليه فيه مقالا ثم لا يقوله فيقول الله ما منعك أن تقول فيه فيقول رب خشيت الناس فيقول وانا احق ان يخشى

صدق الله ورسوله